ها أنا أعطي التدوين فرصة جديدة بعد أن توقفت عنه منذ سبعة سنوات بسبب ظهور انستجرام ومنصات أخرى استسغتها أكثر ذلك الوقت. أما الآن فقد مللت كل تلك الوسائل التي كنت أشارك فيها أفكاري وأعمالي. قد يكون ملل مبرّر و قد أكون أنا التي أمل رتابة التكرار والسير في سياق منتظم لفترة طويلة. أو إنها لعنة جيل ال millennials الشهيرة، الجيل المتخبط في أعماقه و الذي يسير في حياته متبّعا حالاته النفسية!
لا أدري إن كان العيب في زماني الذي لا أفهمه و هو بدوره لا يستوعبني أو أني قد اعتدت تلك النظرة السوداوية المصاحبة للفنانين. ذلك الإحساس بأن الموهبة تنقم على صاحبها إحساسه بالغربة ما لم يزاولها و بأنه مستحيل أن ينتمي لأي شيء سوى عدّته الفنية و إن تظاهر بعكس ذلك. مرت عليّ سنة منذ آخر مرة اختلي فيها بنفسي في حضرة الفن، و لكني لا أعتب على نفسي هذا الغياب فالعالم جله متأجج ما بين جائحة تعصف به و تدهور اقتصادي وسياسي مستمر. أعطي لنفسي الفسحة لأن اتأمل كارثية اللحظة و أتوقف عن مزاولة الفن لوهلة. أما عن إحساس العجز عن ممارسة الفن، فلذلك وحشة في النفس لا توصف، قد استجمع قواي في يوم ما و أكتب عنها مطولا.
كمّ التخبط الفكري المحيط بالفنان لا يدركه سوى من يسلك نفس الطريق. فالرحلة الفنية لا بد و أن تكون محفوفة بالنقيضين من كل إحساس، ثنائية القطب bipolar في صميمها. ولذلك أعتقد أن التوقف لوهلة أمر صحي جدا و لكن هل الوسط الفني يتيح ذلك للفنان في هذا العصر المتطلب لكل شيء بسرعة تفوق تحمل الجسد البشري؟ كيف للإنسان أن ينتج باستمرار دون أن يتوقف لوهلة و يعايش تفاصيل الحياة التي هي محض ممارسته العملية! الفنان مطالب في هذا العصر أن يكون دائم التواجد في منصات جديدة تقولب التجربة الفنية في مربعات و متابعين و بعض نقرات (likes) قد تعني أو لا تعني شيئا. ذلك و بالإضافة إلى معارض ومواسم فنية تجمع الحابل بالنابل و تجعل من هذه المحافل سوق سوداء لطبقة لا تخرج من أبراجها العاجية سوى مرة واحدة في السنة. ما أبشع الرأسمالية! و ما أبشع صورة تحول الفن إلى سلعة في يد هؤلاء!
أنا هنا لأني سئمت ذلك كله، و سئمت ذلك القالب الذي لم اختاره و الذي يصنّف فيه فني وفق جواز سفري، و عدد متابعين صفحتي في انستجرام، و مدى مواكبة فني للموجات الفكرية السائدة في العالم.
هنا لأبوح عن ما أعايشه بلا اصطناع. قد يقرأ كلامي شخص أو مائة أو لا أحد على الإطلاق، المغزى ليس كذلك. إنما أنا هنا لأن الأفكار الحبيسة كثرت و خروجها أصبح من ضرورات البقاء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق